السر

السر في اللغة

السر: المستور الخفي الذي يتعذر فهمه، ما يحاول المرء كتمانه من قول أو فعل.

السريرة: ما يكتمه الإنسان.

في الاصطلاح الطريقة الكركرية

لطيفة الرحمة الإلهية البِكْر، المنزهة عن افتضاضات الهِمَم العبودية المودعة في باطن لب حبة القلب، المثمرة لمعاينة نسمة الأحدية السارية بمظهر التعين الأول الذاتي.

في القرآن الكريم

وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم مرتين. قال تعالى: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى. و قال تعالى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا.

في الحديث الشريف

عن أبي هريرة، قال:” حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثته، وأما الآخر فلو بثته قطع هذا البلعوم. «صحيح البخاري كِتَاب الْعِلْمِ بَاب حِفْظِ الْعِلْمِ رقم الحديث: 118.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يحدث، أن عمر بن الخطاب حين تَأَيَّمَت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد شهد بدرا توفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك، قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لقبلتها “صحيح البخاري كِتَاب الْمَغَازِي  بَاب شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ بَدْرًا رقم الحديث: 3731.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟  قَالَ: هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا، قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ، أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟  قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ؟  قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟  فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ، أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ: لَهُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ ؟، فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ، فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْجَسْرُ ؟، قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي، فَاقْرَءُوا:(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ. صحيح البخاري  كِتَاب التَّوْحِيدِ  بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ. رقم الحديث: 6913

عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إن أغبط الناس عندي، عبد مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة، أطاع ربه وأحسن عبادته في السر ، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع ، وكان عيشه كفافا ” ، قال : وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقر بأصبعيه وكان عيشه كفافا، وكان عيشه كفافا ، عجلت منيته ، وقلت بواكيه ، وقل تراث .”مسند أحمد بن حنبل  مُسْنَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ مُسْنَدُ الْأَنْصَارِ  حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ الصُّدَيِّ بْنِ بنُ عَجْلانَ بن الحارث. رقم الحديث: 21617.

عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تكلموا في القدر، فإنه سر الله فلا تفشوا لله سره.” حلية الأولياء لأبي نعيم عِمْرَانُ الْقَصِيرُ.. رقم الحديث: 8396 وهذا الحديث متكلم فيه كأنك تراه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد، سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا”، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله، ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: ” أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره”، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال:” أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك ”، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها قال:” أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان ”، قال: ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم. صحيح مسلم كِتَاب الإِيمَانِ  بَاب بَيَانِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ وَالإِحْسَانِ … رقم الحديث: 12.

لما أراد الحق أن يُعرف ويظهر من كنزيته بكنزيته قبض قبضة من نوره الأزلي وخلق من تلك القبضة العرش والكرسي والأفلاك والأملاك واقتضت الحكمة ستر أنوارها برداء الصون وحجاب العزة، فبرزت عين الجمع الوحدانية في عين الأكوان الفانية فظهرت المراتب والأحكام والاعتبارات والتَّعَيُّنَات وبقي سبحانه كما كان أحدا فردا صمدا فبانت الجهات والأماكن و الكائنات قائمة بأنوار الصفات مطموسة بأحدية الذات، و في الحديث القدسي: “كنت كنزا لا أعرف، فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا، فعرفتهم بي فعرفوني. ”هذا الحديث إن كان ضعيفا من طريق الإسناد فهو متواتر من طريق الكشف عن الأقطاب قدس الله أسرارهم.

فبطن باسمه وظهر بذاته فسرى في كل شيء كما سرى الواحد في الأعداد فظهر في الواحدية باسمه وذاته وبطن في الإثنينية باسمه وبقي بذاته فما الإثنان إلا واحد وواحد وهكذا في سائر مراتب الأعداد. وقيل:

فما الكون في التمثال إلا كدحية     تصور روحي فيه شكل مخادع 

وقيل أيضا:

فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن       فما ثم موصول وما ثم بائن 

بذا جاء برهان العيان فـــما رأى       بعيني شيئاً غيره إذ أعاين

قال رجل للجنيد رضي الله عنه:” يا أبا القاسم هل رأيتم ربكم حين عبدتموه أم اعتقدتم الوصول إليه بقلوبكم؟ فقال الجنيد رضي الله عنه: أيها السائل ما كنا لنعبد ربا لا نراه و ما كنا بالذي تراه أعيننا فنشبهه و ما كنا بالذي نجهله فلا ننزهه فقال له الرجل: فكيف رأيتموه؟ فقال له: الكيفية معلومة في حق البشر، مجهولة في حق الرب، لن تراه الأبصار في هذه الدار بمشاهدة العيان، ولكن تعرفه القلوب بحقائق الأيمان ثم تترقى من المعرفة إلى الرؤية بمشاهدة نور الامتنان فهو سبحانه مرئي بالحقائق القدسية، منزه عن الصفات الحدثية، مقدس بجماله، منعوت بكماله، متفضل عن القلوب بمواهبه ونواله، معروف بعدله منعوت بفضله فلما سمع الرجل مقالة الجنيد قام وقبل يده وتاب ولازمه حتى ظهر عليه الخير ولزم صحبته حتى مات رحمة الله عليهما. ” إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص 620/621.

فاحتجب سبحانه في ظهوره وظهر في بطونه وما منع الأبصار من رؤيته إلا رداء العزة والكبرياء وما نُظِرَتِ الأواني حتى نشر عليها حجب اللطف والحكمة وإلا فهي ناطقة بسكونها في سكونها مشيرة إلى خالقها دالة على بارئها، ولكن لا من يفقه تسبيحها، وفي الحكم “دَلَّ بِوُجودِ آثارِهِ عَلى وُجودِ أسْمائِهِ وبِوجودِ أسْمائِهِ عَلى ثُبوتِ أوصْافِهِ، وَبِثُبوتِ أوْصافِهِ عَلى وُجودِ ذاتِهِ إذْ مُحالٌ أنْ يَقومَ الوَصْفُ بِنَفْسِه

فالكل قائم به ظاهر بذاته صادر عن صفاته منعدم في وجوده فان في بقائه، وما تلك التنوعات لمظاهر الأكوان إلا مظاهر لمقتضيات الأسماء ولئن تنوع الزهر فالماء واحد قال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

وقد مَثَّلَ أهل الله الكون كالثلجة ظاهرها صلب وباطنها سائل فمن نظر من غير تفكر بدا له الاختلاف و من أمعن التفكر عرف أن الماء هو عين الثلجة وأن الثليجة ما هي إلا مظهر للماء.

وقيل في المعنى:

وما الكون في التمثال إلا كثلجة      وأنــــــت لها الماء الذي هو نابــع

فما الثلج في تحقيقنا غير مـــائه     غير أنه في حكم دعته الشرائـع

ولكن بذوب الماء يرفع حكـــمـه      ويـــوضع حكم الماء والأمـر واقع

وفي الحكم:” ما حَجَبكَ عَنْ اللهِ وُجودُ مَوجودٍ مَعَهُ إذْ لا شَيْءَ مَعَهُ، وَلَكِن حَجَبَكَ عَنْهُ تَوَهُّمُ مَوجودٍ مَعَه. فما حجبك عن الله إلا توهم الغيرية والنظر إلى قوالب المظاهر الكونية ولو انتبهت إلى صفات الربوبية وعزة الألوهية لعلمت أنه حيثما توليت، قال تعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.

قال سيدي ابن عجيبة رضي الله عنه: “اعلم أن الأماكن والجهات، وكل ما ظهر من الكائنات، قائمة بأنوار الصفات، ممحوة بأحدية الذات، ” كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان “، إذ لا وجود لشيء مع الله، (فأينما تولوا فثم وجه الله)، محق الآثار بأفلاك الأنوار

وانمحت الأنوار بأحدية الأسرار، وانفرد بالوجود الواحد القهار.

 وقال صاحب العينية:

تَجلَّـــى حبيبي في مَرَائي جَمَالِهِ       ففي كلِّ مرئي للحبيبِ طلائعُ

فلــــما تَبدَّى حُسْنه مُـــــتَنوعــا      تســــمَّى بأسْماءٍ فهُنَّ مَطالــِعُ

قال بعض السلف: دخلت ديراً وقت الصلاة، فقلت لبعض النصارى: دُلني على بقعة طاهرة أصلي فيها، فقال لي: طهر قلبك عما سواه، وقف حيث شئت، قال: فخَجِلت منه. ويحكى عن أبي يزيد رضي الله عنه أنه كان يصلي إلى جهة شاء، ويتلو هذه الآية، فالوجه عند أهل التحقيق هو عين الذات، يعني أسرار الذات وأنوار الصفات. قال تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) أي: كل شيء فانٍ ومستهلك في

الحال والاستقبال إلا ذاته المقدسة، وأنشدوا:

فالعارِفُون فَنَوْا بأَن لَمْ يَشْهَدُوا     شيئاً سِوَى المتكبر المتَعالِـي

ورَأوْا سواهُ على الحقيقةِ هالكاً     في الحالِ والماضِي والاستقْبالِ (إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص 460).

العارفون بالله فنوا عن أنفسهم وبقوا بربهم لذلك لا يشهدون إلا الحق فالغير عندهم ممنوع.

وقيل في ذلك:

مُذْ عرَفتُ الإلهَ لم أرَ غـــــــيراً       وكذا الغيرُ عِنْدنَا مَمْنُوعُ

مُذْ تجمعتُ ما خَشِيتُ افتِراقاً       فأنا اليومَ واصلٌ مجمُوعُ

فالنظر لغير الحق من نواقض الوضوء لانتقاض عقدة الفناء في صفاته والاعتماد على مظاهر الكون عندهم جنابة لأنها أكبر الكبائر فهم رضي الله عنهم توضؤوا بماء الغيب النازل من بحار الجبروت إلى رياض الملكوت ففنوا عن أفعالهم وأوصافهم وقدرتهم، واغتسلوا من فنائهم فانسلخوا عن السوى بالكلية فهم رضي الله عنهم في صلاة دائمة مُذ سجدوا في حضرة القدوسية ما رفعوا رؤوسهم.

وقال الشيخ مولاي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه لأبي الحسن رضي الله عنه:” يا أبا الحسن حدد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء وعند كل شيء ومع كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء وفوق كل شيء وتحت كل شيء وقريباً من كل شيء ومحيطاً بكل شيء بقرب هو وصفه وبحيطة هي نعته وعد عن الظرفية والحدود وعن الأماكن والجهات وعن الصحبة والقرب بالمسافات وعن الدور بالمخلوقات وأمحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن وهو هو كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان. ”إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص68.

فلو ظهرت عزة المنان لتلاشت جميع الأكوان، لذلك كانت الأفعال مرائي الأسماء والأسماء مرائي الصفات والصفات مرأى الذات فبدا سبحانه ظاهرا في بطونه بسريان أنواره في كثائف المُحْدَثَات فلو احتجب عن العالم طرفة عين لانعدم العالم من حينه. قال سيدي عبد السلام بن مشيش قدس الله سره: هو ( الله ) ظاهر في بطونه، باطن  في ظهوره . فاسمه الظاهر يمحو ظهور السوى ويبطنه، إذ لا ظاهر معه سبحانه وتعالى واسمه الباطن يقتضي ظهور تجلياته، ليكون باطناً بالنسبة إلى حسها الظاهر، فلو بقي على ما كان عليه من البطون، ما عرف ولا عبد … هو الظاهر، هو الباطن دون غيره، فكل ما ظهر فهو هو، وكل ما بطن فهو هو. أو تقول: هو ظاهر كل ما بطن، وباطن كل ما ظهر من الألوهية، إذ لا شيء معه. أو تقول: هو الظاهر من جهة التعريف، والباطن من جهة التكييف، إذ كنه الربوبية لا يكيف، أو تقول: ظاهر بحكمته باطن بقدرته أي سبب حكمته، فقد أظهر الحكمة وأبطن القدرة. الشيخ ابن عجيبة شرح تصلية القطب ابن مشيش  ص 51.

وقيل في المعنى:

فلم يبق إلا الحق لم يبق كـائن         فما ثم موصول وما ثم بـائن

بـــذا جاء برهان العيان فما رأى          بعيني شيئاً غـيره إذ أعـاين

وقيل أيضا:

وكل الورى طرا مظاهر طلعـتي      مراء بها من حسن وجهي لامـع

 ظــــــهرت بأوصاف البرية كلـهـا       أجل لي ذوات الكل نوري ساطع الخلافة

قال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ.

لما أراد الحق أن يُعرف خلق آدم الوجود على صورته وألبسه من صفاته ونفخ فيه من روح أسراره و جعله مرآتا لكمالاته و مظهرا لجماله فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:” خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا فلما خلقه، قال: اذهب، فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن. صحيح البخاري كِتَاب الِاسْتِئْذَانِ بَاب بَدْءِ السَّلَامِ رقم الحديث: 5788.

 وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تقبحوا الوجوه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن.”السنة لابن أبي عاصم رقم الحديث: 416.

فكان هذا المخلوق عال القدر، نقي الأصل مصور في أحسن تقويم لأنه حضرة الجمع والوجود طُوِيَ فيه ما نُشِرَ في الكون وجُمِعَ فيه ما تفرق فكانت الأكوان تابعة له لا هو تابع لها، تخدمه وتدفع عنه من حيث إنه حامل سر الوسع الرباني في قلبه فالاستواء الإلهي على القلب الإنساني خلاف الاستواء الرحماني على العرش النوراني فإن الاستواء الإلهي في نقطة الدائرة والاستواء الرحماني: محيط للدائرة فكان بذلك الإنسان حبة الأصل وكان الكون وما فيه الشجرة المنبثقة عنها فكان العالم هو الصورة والإنسان روحها. وفي ذلك قيل:

يــا سابقا في موكب الإبداع      ولاحقا في جيش الاختراع

اعــــــقل فأنت نسخـة الوجود      لله ما أعلاك من موجـود

أليس فيك العرش والكرسي      والعالم العلوي والسفـلي

مـــــــــــا الكون إلا رجـل كبير      وأنت كون مثله صغيــر

إذ أن محله الأصلي من الإعراب في جملة الوجود أنه مفعول به معدوم القدرة سار فيه حكم الفعل بهمة الفاعل، ولكن حكمة السَّتْر بَنَتْ الجملة الوجودية للمجهول فأصبح الإنسان نائب الفاعل بعدما كان مفعولا به فَرُفِعَ بعدما كان محله النصب والتعب الدائم، فاستحق السجود لحضرته لكونه خليفة، ونائبا عن الحضرة الحَقِّيَة المُسْتَتِرَة به فكان عقله مظهر العلم، وصورته مظهر الإرادة وهمته مظهر القدرة وخياله مظهر الكَيْنُونَة فكانت بذلك المملكة الإنسانية مجمع الحقائق الربانية وصورتها لذلك قلت لك لا تخرج من قبرك. وفي حديث الولي إشارة عظيمة لمن وسع الله صدر عقله، يقول فيه الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه حاكيا عن ربه عز و جل يقول:” من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته” صحيح البخاري  كِتَاب الرِّقَاقِ  بَاب التَّوَاضُعِ رقم الحديث: 6050.

فانظر بعين قلبك إلى هذه الإشارة اللطيفة التي حيرت عقول المنزهين للحق ذلك التنزيه البارد الذي ما أمر الله به ولا رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام. فَسِرُّ كل شيء كامن في ضده، وما عُرِفَ الحق إلا بجمع الضدين فنقائص العبودية ما هي في الحقيقة إلا سر لمظاهر كمالات الربوبية. وفي الحكم: “إنَّما وَسِعَكَ الكَونُ مِنْ حَيْثُ جُثْمانِيَّتُكَ وَلَمْ يَسَعْكَ مِنْ حَيْثُ ثُبوتِ رُوحانيَّتِك

يقول سيدي ابن عجيبة رضي الله عنه في إيقاظ الهمم: “الروح إذا تصفت وتطهرت من كدرات الحس عرجت إلى عالم الجبروت فلم يحجبها عن الله أرض ولا سماء ولا فلك ولا عرش ولا كرسي بل يصير ذلك في جوفها كشيء تافه وهذا أمر مَذُوق عند العارفين إذ نظروا إلى الكون بأسره ذاب ورجع ماء فإذا شربوه صار في قلوبهم كنقطة وهم متفاوتون في إحاطتهم بالكون فمنهم من يصير عنده كالبيضة ومنهم من يصير عنده كالخردلة، وذلك بحسب اتساع النظرة وضيقها فكلما جالت الروح في بحر الجبروت صغر الكون عندها حتى لا تحس به ولذلك قال بعضهم لو كان العرش في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به وقال آخر العرش والكرسي منطبعان في ترسي. وقال شيخ أشياخنا مولاي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه والعرش والكرسي في طي قبضتي.

ثم يتلاشى الكون ويضمحل ويتصل عالم الملكوت بعالم الجبروت فلا بقاء إلا للحي الذي لا يموت وهذا لا يفهمه إلا العارفون الذين غلبت روحانيتهم على بشريتهم فصاروا روحانيين ملكوتيين أشباحهم مع الخلق وأرواحهم مع الحق فقد وسعك أيها الإنسان الكون وحصرك من حيث جثمانيتك وبشريتك وهيكلك المحصور ولم يسعك من حيث ثبوت روحانيتك لأن روحك متصلة بعالم الجبروت المحيط فلما تكثفت وانحصرت في هذا الهيكل لزمتها القهرية فانحجبت بالحكمة وتقيدت بالقدرة فما دامت البشرية كثيفة بحب الشهوات والعوائد فهي محجوبة فإذا تلطفت بذكر الله وانخرق عنها حجاب الحس رجعت إلى أصلها فاتصلت ببحرها فصار الملكوت والملك في طي قبضتها فلم يسعك حينئذ أرض ولا سماء ولا يحصرها عرش ولا فرش ولذلك قيل الصوفي لا تقله الأرض ولا تظله السماء. إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص 520/ 521.

في هذا المعنى لابن عربي رضي الله عنه:

تُحيي إذا قَتَـلت باللحظِ مَنطِقَها         كأنها عندما تُحيي بهِ عِيسَـــى

تَوراتُها لَوحُ سـاقيها سناً وأنـا           أتلو وأدرُسُها كأنّني مُوســـى

أُسْـقُفَةٌ مـن بناتِ الرّومِ عاطِلة ٌ        تَرى عليها من الأنوار ناموسَــا

وحشيّة ٌما بِها أُنْسٌ قـد اتَّخَذَتْ        في بيتِ خَلوتِها للذّكر نَاوُوســا

قد أعجَزَتْ كلّ علاّمٍ بِمـلّتـِنَا            وداوُديّاً، وحبراً ثمَّ قِسـّيســا