المرقع، أصل من أصول السلوك

المرقعة في اللغة

رَقَعَ الثوب: أصلَحَهُ بالرقُعة. المرقعات: جمع مرقعة، وهي الثوب الملفق من رقاع كثيرة ملونة أو غير ملونة، كانت من صوف أو شعر أو جلد.

في الاصطلاح الطريقة الكركرية هي مظهر التَّسَتر بالجمال الذاتي الباطن في فرق الأسماء، المتجلي بألوان حضرة القوس العلوي، وإعلان مبايعة النفس للروح للدخول والترقي في مراتبها.

في القرآن الكريم

قال تعالى: فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚفَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ.

قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ.

قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ.

قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ.

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ.

قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا.

قال تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا.

المرقعة في الحديث الشريف

عن حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: أخرجت إلينا عائشة رضي الله عنها كساء ملبدا، وقالت: في هذا نزع روح النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد سليمان، عن حميد، عن أبي بردة، قال: أخرجت إلينا عائشة إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي يدعونها الملبدة.

عن ابن كيسان، أن عبد الله بن أبي أمامة أخبره، أن أبا أمامة أخبره، أن رسول قال:” البذاذة من الإيمان، البذاذة من الإيمان البذاذة من الإيمان” قال: عبد الله هذا أبو أمامة الحارثي، قال عبد الله سألت أبي قلت: ما البذاذة ؟ قال: ” التواضع في اللباس.

عن سهل بن معاذ، عن أبيه، عن رسول الله، أنه قال: ” من كظم غيظه وهو يقدر على أن ينتصر، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق ، حتى يخيره في حور العين أيتهن شاء ومن ترك أن يلبس صالح الثياب، وهو يقدر عليه تواضعا لله تبارك وتعالى، دعاه الله تبارك وتعالى على رءوس الخلائق حتى يخيره الله تعالى في حلل الإيمان أيتهن شاء.

عن أم خالد بنت خالد “أتي النبي بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال: من ترون أن نكسو هذه، فسكت القوم، قال: ائتوني بأم خالد، فأتي بها تحمل فأخذ الخميصة بيده، فألبسها، وقال: أبلي وأخلقي، وكان فيها علم أخضر أو أصفر، فقال: يا أم خالد هذا سناه وسناه بالحبشية حسن.

عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رسول الله:” إن من أمتي من لو أتى باب أحدكم فسأله دينارا لم يعطه إياه، ولو سأله درهما لم يعطه إياه، ولو سأله فلسا لم يعطه إياه، ولو سأل الله الجنة لأعطاها إياه، ولو سأله الدنيا لم يعطها إياه، وما يمنعها إياه لهوانه عليه، ذو طمرين، لا يؤبه له، لو يقسم على الله عز وجل لأبره.

عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله:” ألا أخبرك عن ملوك الجنة؟ “قلت: بلى قال: رجل ضعيف مستضعف ذو طمرين ، لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبر.

 

تأصيل المرقعة

سنة الصالحين وشعار المتقين ودثار العارفين وعلامة المريد الصادق الطالب وجه الحق، الفاني في محبة شيخه، المسلوب الإرادة. الخرقة علامة التسليم والتفويض وإعطاء حق التصرف للشيخ العارف الكامل في أمور المريد حتى يُبَصِّره بعيوب نفسه ومراتبها، بُغية أن تتطهر وترتقي من نفس أمارة إلى لوامة إلى مطمئنة إلى راضية إلى مرضية إلى راجعة إلى ربها، جاء في الأثر من لم ير مفلحا لا يفلح ومن لا شيخ له فإبليس شيخه.

كيف يكون حال من تعلم حرفة بلا معلم؟ الشجرة التي تنبت من تلقاء نفسها لا تثمر، وإذا أثمرت فثمرها ليست كثمر شجرة البستان المُتصرف فيها. عن أبي هريرة، قال:” قال رسول الله: الإيمان بضع وسبعون أو، بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. فأدنى شعب الإيمان إماطة الأذى عن الطريق إلى الحق، ولا أذى أشد من نفسك التي بين جنبيك فهي أعدى الأعداء، فلزم بذلك إزالة أذاها ولا شيء أشد على النفس من سقوط منزلتها عند الناس لذلك كانت الدربلة من أسس التربية للمريد في طريقتنا المباركة. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ.

لله ثياب يكسوها لعبده إذا صحت محبته، وتجرده من لباس الدنيا واستغنى بمرقعة أو دربلة يغدو بها ويروح لا يلتفت إلى الغير فلا يرى إلا مولاه قد آثر الباقي على الفاني. فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله:” أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم)، وقال:(يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك. كيف يستجاب لك وملبسك حرام في حرام، قد بدت سوءة أفعالك على ظاهرك، الملائكة لا تدخل بيتا به كلب فكيف تسري فيك أنوار الحق وجسدك متلبس بالحرام، انزع عنك كل لباس والْبَس ثياب التقوى. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا.

ليل ظلمة النفس لباس الكل الأصلي جعله الحق حجابا لخلقه عن أسرار القدم، فمن سبقت له المحبة في الأزل ساقه الحق إلى شيخ رباني عارف ينشر له نهار روحه فيستر له آية الليل بآية النهار، وآية النهار مبصرة، فيبصر ما طوى الحق فيه من أسرار فإذا قوي وتمكن نسخ باطنه على ظاهره، وما الظاهر إلا عنوان الباطن والمرء لا يلبس إلا سريرته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أسروا ما شئتم، فوالله ما أسر عبد ولا أمة سريرة إلا ألبسه الله رداءها، خيرا فخيرا، وشرا فشرا، حتى لو أن أحدكم عمل خيرا من وراء سبعين حجابا لأظهر الله ذلك الخير حتى يكون ثناؤه في الناس خيرا، ولو أن أحدكم أسر شرا من وراء سبعين حجابا لأظهر الله ذلك الشر حتى يكون ثناؤه في الناس شرا ”

فوائد المرقعة

للمرقعة فوائد جمّة دنيا وعقبى جمعها ابن البنا السرقسطي رضي الله عنه في المباحث الأصلية وشرحها سيدنا ابن عجبية قدس الله سره شرحا يشفي الغليل، قال فيه رضي الله عنه.

والقوم ما اختاروا المرقعات     إلا لأوصـــاف وسوف تأت

 أولــــــــــها فيها اطراح الكبر     ومنعها للبـــــرد ثم الحر

وخــــــفة التكليف ثم فيها      قلة طمع الطامعين فيها

 وذلــة النفس وتطويل العمر     والــــصبر ثم الاقتدا بعمر

 ألا تــــــرى لابسها كالخاشع     فهي إذن أقرب للتواضع

 

المرقعات: جمع مرقعة، وهي الثوب الملفق من رقاع كثيرة ملونة أو غير ملونة، كانت من صوف أو شعر أو جلد، وإنما اختارها القوم على ما سواها من الثياب لوجوه عشرة. أولها: طرح الكبر ونفيه والتخلق بضده، وهو التواضع، إلا إذا قصد بذلك من حيث إنها شعار الصالحين، فيحرم لباسها حينئذ، أو يقصد بذلك التظاهر على من لم يلبسها من الفقراء، أو يرى له مزية بها على غيره فينقلب الأمر حينئذ

ثانيها: أنها تدفع الحر من حيث تناسبها وبرودتها، لاجتماع أجزائها دون تخليل، وتدفع القر: أي البرد، لكثافتها.

 وثالثها: خفة مؤنتها في تحصيلها، فإنها من الخرق الملقاة على المزابل، التي لا يضر إعطاؤها من طلبت منه، نعم: إن كان يختار لها الرقاع الرفيعة، قد خرجت عن حقيقتها، وزالت ثمرتها لأنها صارت حينئذ من رفيع الثياب، فهي وسائر اللباس سواء.

ورابعها: قلة الطمع فيها للصوص السلابة وغيرهم، من حيث ذاتها، لا من حيث ما يحتوي عليها من الحرمة، فإذا جذبها الفقير إليه واختبروه لم يكن لهم إلمام: أي توصل بها، بل ردوها عليه واستغفروا من حقه، كما هو مشاهد معلوم، ولبسها للاحترام جائز قاله الشيخ زروق رضي الله عنه.

وخامسها: ما في لبسها من دفع الشرور، باعتبار الاحترام لشبه لابسها، بأهل الخير، وذلك جائز في الدفع، لا في الجلب لقوله تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً.

وسادسها: ما فيها من ذلة النفس بين أبناء الجنس، وفي ذلك موتها، وفي موتها حياتها، وفي ذلك قال الششتري متكلما على لسان الحق:

إن ترد وصلنا فموتك شرط   لا ينال الوصال من فيه فضلة

وفي ذل النفس أيضا: إسقاط المنزلة والجاه، وهو شرط في تحقيق مقام الإخلاص، وفيه أيضا حصول الخمول الذي هو راحة لأن صاحبه لا يعرف بالتقية، ولا يدري بالأمور العالية، بل إذا غاب لا ينتظر، وإذا حضر لا يستشار.

وفي الحديث عنه: (رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه (أي لا يعبأ) به لو أقسم به على الله لأبره.

وسابعها: ما فيها من رفع الهمة وقلة المبالاة بالخلق؛ فإن المعتقد لا يزيده اعتقاد الناس إلا شرا، والغالب على صاحبها عدم المبالاة بالخلق، قد استوى عنده المعتقد والمنتقد.

قال بعض المشايخ لبعض الشباب: إياكم وهذه المرقعات، فأنكم تكرمون لأجلها، فقال الشاب: إنما نكرم بها من أجل الله، قال: نعم، قال: حبذا من نكرم من أجله.

وثامنها: ما قيل فيها من طول العمر، ومحمل ذلك على البركة فيه، بحيث يدرك في يسير منه ما لا يدرك غيره في سنين متطاولة كما قال ابن عطاء رضي الله عنه: (من بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمان ما لا يدخل تحت دوائر العبارة، ولا تلحقه الإشارة) وعبادة العارفين كلها متضاعفة بأضعاف كثيرة.

وقال أيضا في حكمه: (ما قل عمل برز من قلب زاهد، ولا كثر عمل برز من قلب راغب.

وقيل: إن ذلك يكون حقيقة، وهو من باب الخاصية، وإن من لبسها دل على طول عمره، والله تعالى أعلم.

وتاسعها: مقاساة الصبر وتجرع مخالفة النفس، وفي ذلك من الفضل ما لا يجهل، قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وقال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ وقال سبحانه إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.

وقال: بعض الصحابة رضوان الله عليهم، الصبر من الدين كالرأس من الجسد، والصبر مطية الإمامة والاقتداء، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا، وفيها أيضا الوقاية من ارتكاب الكبائر المشهورة، إذ يعاقب على صاحبها، ولا يمكن منها بحال، فهي عصمة من عظام الكبائر، والصبر عليها كأنه صبر عن القبائح كلها.

وعاشرها: الاقتداء بأمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد قال عليه الصلاة والسلام: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر.

فالاقتداء بهما امتثال لأمره عليه الصلاة والسلام، وفيها جمع الخاطر الذي لبسها لأجله عمر رضي الله عنه، فإنه كانت له مرقعة: بين كتفيه ثلاث عشرة رقعة، إحداهما من جلد، فلما طرحها يوم فتح بيت المقدس بإشارة المسلمين ولبس غيرها، قال: أنكرت نفسي، وعاد إليها؛ ولبس عمر رضي الله عنه المرقعة كان اختيارا منه وتواضعا، وليس ذلك ضرورة، فقد كانت له أموال خاصة به، قبل الخلافة وبعدها، وبالله التوفيق.

مرقعة الفاروق رضي الله عنه

لم يذهب الفاروق لفتح مسرى الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه وسط جيش عرمرم ولا خيل مُطَهَّم، وإنما قطع المفاوز والصحاري لابسا مرقعته ومعه خادمه ودابتهما، يَتْلُوانَ سورة يس، مرة يركب عمر رضي الله عنه ومرة خادمه ومرة ترتاح الدابة، رحلة جعلها الفاروق عبرة لأولي الألباب.

ويصل عمر إلى محل إقامة المسلمين فيستقبله أبو عبيدة والصحابة استقبالا يليق بأمير المؤمنين فيهوي أبو عبيدة الأمين لتقبيل يد عمر فيهب الفاروق لتقبيل رجله، فيكف هذا ويكف هذا، هكذا يستقبل الصحابة بعضهم، هكذا تربوا في مدرسة الحبيب صلى الله عليه وسلم، يا من ينكر علينا تقبيل الأيدي.

طلب الصحابة من الفاروق أن يركب دابة أخرى ويلبس ثيابا تليق بهذا اليوم العظيم، وما يزال به القوم حتى وافق فأُوتي بالبَرْذُون فلما ركبه تبختر، نزل عنه وقال:” ما كنت أظن أن الشياطين تركب قبل اليوم، عَلَيَّ بمرقعتي ودابتي، ثم توجه إلى أسوار المدينة الشريفة، فخاض في الوحل في واد قريب من بيت المقدس، فنزع نعليه ووضعهما في يد، وهو يخطم الجمل باليد الأخرى، فقال أبو عبيدة: “أتخوض الطينَ بقدميك يا أمير المؤمنين وتلبس هذه المرقعة وهؤلاء القوم قياصرة وملوك ويُحبون المظاهر”، فضربه عمر في صدره وقال: لو قالها غيرك يا أبا عبيدة لعلوت رأسه ِ بهذه الدرة، لقد كنا أحقر وأذل الناس، فأعزنا الله بالإسلام، فلو طلبنا العزة في غيره لأذلنا الله.

لله درك يا عمر يا فاروق الإسلام، لا عزة في قشور فانية وإنما العبرة بالقلب السليم الفاني في حضرة الحق.

وتشاء الأقدار ويصل عمر رضي الله عنه ماشيا والغلام راكبا وهو رضي الله عنه آخذٌ بزمام الدابة وقد تمرغت رجلاه في الوحل

فما أن رآه الأساقفة حتى قالوا هذا والله صاحبكم، بعد حصار دام أربعة أشهر يسلمون المفاتيح من غير أدنى مقاومة.

نزل إليه رئيس الأساقفة، البطريرك، وبيده مفاتيح القدس، وبعد أن سلّم على الخليفة، قال له: إن صفات من يتسلم مفاتيح إيلياء (بيت المقدس) ثلاثة، وهي مكتوبة في كتابنا يقصد شروح الانجيل.

أولها: يأتي ماشياً وخادمه راكب،

ثانيها: يأتي ورجلاه ممرغتان في الوحل،

وثالثها: اسمح لي أن أعدّ الرقع التي في ثوبك،

فعدّها، فإذا هي سبع عشرة رقعة (وفي رواية أربعة عشر وفي رواية إثنى عشر)! فقال: وهذه هي الصفة الثالثة،

فسلّم لأمير المؤمنين مفاتيح القدس.

فليس الشأن إذن أن تلبس أحسن الثياب وتقول ها أنا ذا، اِلبس ما شئت لكن تذكر أن أساقفة بيت المقدس سلموا مفاتيح القدس لرجل شامخ كان يلبس مرقعة.